حتى 3 أسابيع مضت ظلت تركيا تصر على أنها خالية من فيروس كورونا، لكن الأمر تغير مؤخرا بشكل درامي، لدرجة أن خبراء حذروا من أنها قد تواجه مصير إيطاليا، البلد الأوروبي الأكثر تألما من الوباء.
وأعلنت أنقرة في 10 مارس الجاري أول إصابة بفيروس كورونا المستجد المعروف أيضا باسم "كوفيد 19"، لشخص قالت إنه حمل الإصابة معه من أوروبا.
وقال حينها وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إن "كورونا ليس أقوى من التدابير التي اتخذناها، وإصابة شخص به لا يمثل خطرا بالكلية، فقد تم عزله ومن ثم لا يوجد تهديد بالنسبة للمجتمع".
لكن بعد يومين أطلق الوزير تصريحا مناقضا، حث فيه الشعب التركي على الصمود لمدة شهرين، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول "الطمأنينة" التي روج لها لفترة طويلة.
وانتقلت تركيا من مرحلة "خداع الذات" في فبراير إلى الشعور بوقوع حالة طوارئ وشيكة، وذلك عبر تحليل التغيرات في تغريدات وزير الصحة، طبقا لموقع "المونيتور" الاستقصائي.
والجمعة 27 مارس، بلغت حصيلة الوفيات في تركيا 92، فيما بلغت الإصابات 5700 من جراء الفيروس.
وأثار هذا الأمر قلق الخبراء، بحسب موقع "المونيتور"، إذ إشاروا إلى أن هذا المعدل يفوق معدل الإصابات والوفيات في الفترة ذاتها من بداية تفشي الفيروس في إيطاليا، بؤرة كورونا الرئيسية في أوروبا.
وأمام زحف الفيروس الذي لا يرحم، أقر قوجة في خطاب تلفزيوني بأن كورونا منتشر في جميع أرجاء تركيا، واعترف في وقت لاحق بالحاجة إلى إجراءات أشد صرامة لمواجهة الوباء.
ازدواجية أردوغان
وتظهر أزمة كورونا خليطا من الأخطاء والمزاعم وسوء الإدارة في حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وعلى سبيل المثال ذهب بعض "العلماء المزيفين" الذين ظهروا على شاشات التلفاز الموالية لأردوغان إلى القول إن الأتراك "محصنين بفضل شكل تركبيهم الجنيي"، الأمر الذي دحضته الحقائق لاحقا، بحسب الموقع الاستقصائي.
ولم يستغرق ظهور الفيروس في تركيا وقتا طويلا، ليبدأ المرض في إصابة الأتراك أسوة بغيرهم من البلاد.
ونصحت الحكومة الأتراك بعدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة القصوى، وبتقليل التواصل الاجتماعي، في حين استمرت الأعمال كما هي، الأمر الذي ترك نافذة لفيروس كورونا لكي يتسلل منها.
ولم تتوقف الرحلات الجوية في تركيا مع الخارج إلا ليل الجمعة، مع ملامسة حصيلة الوفيات رقم 100 في البلاد.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن أردوغان، قوله إنه سيتم إغلاق كافة أماكن التنزه والسواحل والغابات نهاية الأسبوع، كما لن يسمح بالتجمعات، وسيتم تطبيق نظام العمل المرن بالحد الأدنى من العاملين في القطاع الخاص، كما هو الحال في العام.
وجاءت هذه الإجراءات متأخرة بعض الشيء في تركيا، وفي ظل مجتمع يعيش حالة استقطاب حادة، فنصفه لا يثق فيما يفعله أو يقولوه المسؤولون، الأمر الذي امتد أيضا إلى أزمة كورونا، بحسب "المونيتور".
أخطاء وسيناريوهات
وأعرب الأستاذ التركي في كلية بوسطن للطب إمراح إلتينديس، عن قلقه من ارتفاع معدل الإصابات بفيروس كورونا، محذرا من أن أنقرة "على طريق إيطاليا وإيران".
وأرى أن تركيا تأخرت كثيرا في إجراء اختبارات فيروس كورونا، فضلا عن أنها تجري عددا أقل مما هو مطلوب، مشيرا إلى أن كوريا الجنوبية تجري يوميا 20 ألف اختبار لكشف الإصابة بالفيروس، في حين بلغ إجمالي الفحوص في تركيا 20 حتى 18 مارس الجاري.
وقال إن التباعد الاجتماعي الذي دعا إليه أردوغان قد يكون ذات تأثير ضئيل "طالما أن الملايين من الناس يستمرون في الذهاب إلى أماكن العمل كل يوم".
ومن جهة أخرى، رسم الأستاذ المتخصص في الأمراض المعدية بجامعة إسطنبول هالوك كوكوغراس، صورة قاتمة لتركيا في ظل أزمة فيروس كورونا.
وقال كوكوغراس إنه بالنظر إلى معدل الحالات في البلاد، قد تتجاوز تركيا إيطاليا في غضون أسبوعين، مشددا على "الحاجة الماسة لحظر تجول تام على مستوى البلاد".
وأضاف: "الاقتصاد سينهار وستكون لدينا مشاكل اجتماعية، لكن ليس لدينا خيار آخر لوقف تفشي المرض".
وفي مؤتمر صحفي، الجمعة، قال قوجة إن تم تسجيل 17 وفاة وأكثر من 2000 إصابة خلال يوم واحد، ودعا إلى اتخاذ إجراءات صارمة من أجل مكافحة انتشار الفيروس.
لكن مع ذلك، لم يدع إلى حظر التجول البلاد، بل إلى تنظيم أيام وساعات العمل وأوقات العطل، بحسب موقع "أحوال التركي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق