الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

عرائس الخيط ( المارونيت) .. من ألاعيب السيرك السياسي .. سلامة الياس


الليلة و كل ليلة .. عرايس الخيط يا حليلة يا حليلة .. لا ظل و لا حيط ما فيش غير المارونيت .. كل حتة مربوطة بخيط من غير دربكة و لا لاخبيط .. لا يوجد بالسيرك شيء مستحيل فكل شيء مباح و متاح .. و لكن طبقاً لجدول زماني و مكاني محكم التفاصيل و صارم التفعيل .. لا يقبل الإضافة أو الإرتجال .. و فقرة عرائس الخيط أو المارونيت إحدى الفقرات النمطية التكتيكية التي يصر رعاة السيرك علي وجودها داخل البروجرام الأساسي .. نظراً لفاعليتها الشديدة في تخليص الجماهير من إرهاصات و إنفعالات مترسبة بقعر العقل الباطن منذ عهد الطفولة البائدة .. متمثلة في ذكريات هائمة للأبطال الحقيقيين لكل منا في مرحلة ما من مراحل الطفولة الأمية .. أبطال من قماش ترسم ملامحهم الأحلام والأقلام .. شخصيات قطنية ظلت خليلاً طيعاً وفياً طوال السنوات اللبنيةً .. شكلت جزءاً كبيراً من الذاكرة التواكلية لدى كل منا .. و التي نلجأ إليها لجوءً متقطعاً كلما إستنفذت متطلباتنا جميع الإمكانيات المتاحة و الممكنة .. و هنا تكمن أهمية عرض المارونيت لتتخلص الجماهير من سلبيتها و تواكلها و إعتمادها علي الغير .. مما يجعلها عجينة سهلة التشكيل تقبل كل أشكال إعادة الإصلاح و البناء و إن كانت تلك الإعادة ستسلبها بعضاً من مكتسبات العهد القديم .. يرفع الستار كاشفاً عن بقعة مكانية هندسية الإبعاد .. و لكنها غير ملتزمة بسيمترية محددة بقدر إلتزامها بتكتيك الحركة والأداء .. و مجموعة من العرائس الملونة ذات الملامح المتناسقة لإضفاء روح الحقيقة علي العرض و المعروض .. تتمايل و تتراقص رغماً عنها فهي مسلوبة الإرادة و التحكم .. فقد سلمت نفسها لخيوط رفيعه تتحكم في وقع و إيقاع حياتها .. و لذا فهي تتمايل و تتراقص إرضاءً لهذه الخيوط .. أو محاولة يائسة للتملص منها .. أو للفت الإنظار و طلب المساعدة .. إرهاصات مختلفة الإحاسيس سلبية التوافق .. تتصارع داخل المشاهد الناضج فيستقبح أن يكون مستسلماً لمجموعة من الأماني الواهية متوكلاً عليها دون الأخذ بالأسباب .. أو أن يتشارك في نفاق مجتمعي لا يعني تعانق خيوطه سوى مزيداً من العقد و التعقيد .. فقرة تعرى الجميع و تكشف درجات الضعف و الخنوع الكامنة لديهم  .. فتفجر لديهم طاقة إيجابية تطمح في الحرية .. و عندما يتحرر الجميع من سلبيته يكتشف أن العلاقة المستدامة بين عرائس الخيط تنمو وتزدهر في جو من الإبتعاد المحسوس و المحسوب .. فالمربعات الحركية للمارونيت تتبادل بحيث تسمح بمساحات شاسعة من التعايش المحمود ..تتبادل و لا تتعارض ..  فتعارض المصالح ينُتج خيوط معقدة تشل حركة المجتمع و لا مهرب منها سوى البتر  .. تتبادل و لا تتقاطع ...  فالتبادل عادةً لصالح الطرفين ..   يعيد روح الأبداع و التنافس الشريف لجني المزيد من المكاسب دون إنتقاص حقوق الأخرين .. كما أن الإلتزام بتكتيك الحركة و الأداء يفسح المجال للفنان المبدع لإستغلال المزيد من المشاهد الإبداعية التي ترسم الإبتسامة علي شفاه الصغار  .. و ينتهي العرض عندما تتيقن عرائس الخيط من عدم جرأة أياً من الموجودين علي مساعدتها .. فقواعد السيرك لا تسمح بالتلامس بين الجمهور و أدواته ففي ذلك خطر كبير علي الجميع  .. فتنهي عرضها مرغمة علي تبادل التحية مع الجميع .. و تجتر الأخطاء نفسها في تكرار حتمي .. فقد  تشارك الجميع لحظات المرح و الإبتسام .. وتشارك أيضاً الهروب من الحقيقة الوحيدة التي حرصت علي الإختباء وراء ستار العرض .. ذاك الفنان المبدع الذى صمم و أدار هذا العرض الرائع ..لن تجد من بين الجالسين من كلف نفسه أثناء العرض عناء التعرف علي هذا الفنان القابع خلف الستار .. و هل هو رجل أم إمرأة .. أبيض أم أصفر .. طويل أم قصير ؟؟؟!!! .. تدفعك خيالاتك و ذكرياتك لطمس الحقائق و إنكارها !!  .. ينتهي العرض وسط تباين و اضح لإنفعالات الجمهور بين صغير لايعي و لكنه مبهور بما رأى .. و كبير ناضج كشفت له عرائس الخيط بعض عوراته النفسية ليسترها أو يتبرأ منها .. و بين المقاعد و الجالسين تجد بعض الأصابع و الأجساد تتحرك حركات عفوية تحاكي ما كانت تقوم به المارونيت .. إنهم الحالمون .. في محاولة منهم لإكتشاف أسرار العرض و المعروض .. فهم وحدهم يؤمنون بإعجاز هؤلاء اللاعبين و قدراتهم الخارقة .. بل و مستعدون للنيل ممن يتعمد أو يحاول التشكيك فيهم أو الإنتقاص منهم .. فهم يعشقون كل غامض و مخيف و خارق يهربون به من مرارة واقعهم الأليم  ..ويظل الحالمون….خارج السيطرة ..لا يتم توجيهم بطرق مباشرة .. بل يتم استغلال شغفهم  و انبهارهم ….كوقود للتحرك و البداية
انها الاحترافية ….انهم هناك خلف الكواليس…كخلايا النمل
حركة ونظام دائميين
ملحوظة فقرة المهرج ليست محببة لإدارة السيرك لما يشوبها من الإرتجال و لكن سنعمل جاهدين علي إقتاعهم بتقديمها مع تقديم ضمانات بعدم الخروج علي النص .. أما فقرة المارونيت فقد كان مقرر لها شهر فبراير 2013 .. و لكن إدارة السيرك قررت تقديمها خلال إحتفالات رأس السنة كعرض خاص إهداء للأخ و الصديق صلاح محمد جمال  و جريدة الوطن البحرينية التي أفسحت المجال لكاتب مجهول ليتعلم بعضاً من فنون الحياة.. إنتظرونا في عرض العجلات الطائشة مع بداية العام الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرأ

الفاجر و العاجز بقلم سلامه الياس

اذا منعتك قسوه قلبك عن طلب الرحمه للاموات   فدعهم للرحمن الرحيم                                                                            ...