عادةً ما يتم حصر ألعاب السيرك السياسيى داخل إطار تفاعلي طردي .. متباين الحدود و الإتجاهات بين أدوات السيرك من جهة و بين الجماهير من جهةٍ أخرى .. بحيث يسمح بعلاقة تلامسية مقننة بين هذه الأدوات و الجماهير العاشقة للمغامرة و إكتشاف كل مجهول .. تلامس تحكمه رهبة الغامض و المأثور المتبادلة كماً و كيفاً .. بشرط عدم الإرتجال .. فالإرتجال قاتل الرجال .. وكطبيعة الحال و المحال فلكل قاعدةٍ شواذ .. و شواذ القاعدة هنا فقرات قد تتشابه في الشكل و الهدف إلا إنها تختلف في الضامن و المضمون .. ألا وهي فقرات خيال الظل و عرائس الخيط (المارونيت ) و أخيراً الأراجوز .. و لذلك سأتكلم عن كل منهم علي حدى .. و أفضل شخصياً الحديث أولاً عن فقرة خيال الظل فهي إحدى الألاعيب البدائية و الفطرية التي ساهمت في تشكيل العقل الإبداعي للإنسان في عصور ما قبل الكهرباء .. فضلاً عن توافر أدواتها و قلة تكلفتها .. و هي فقرة تعتمد غالباً علي الإحترافية في تحريك أصابع اليد أو بعض القصاصات المرسومة .. و دقة في إختيار زاوية محددة لتعترضها الأدوات المختبئة و تعكس شخصياتها المطلوبة علي واجهة العرض المخصصة لتنفيذ السيناريو و الحوار المعدان مسبقاً .. و علي عكس جميع فقرات السيرك يتم إغراق منطقة العرض في ظلام تام .. تخترقه بقعة ضوء مسلطة علي منطقة العرض المخصصة .. تصاحبها موسيقي ناعمة حالمة تحلق بالمشاهد داخل حيز مقصود من عقله الباطن لإجترار ذكريات طفولية بريئة .. ذكريات حميمية للحظات عفوية أبدع فيها الكبار لتبديد مخاوف الصغار عندما يلتهم الظلام الغامض بهرجة الأضواء المحيطة بالجميع .. ذكريات دافئة كانت حجر أساس جوهرى في التكوين الإبداعي و الروحي للجميع .. ثم تبدء شخصيات العرض من أصابع أو رسوم في التحرك داخل هذا الإطار الظلامي في تواتر منظم و مقصود .. تبث نوعاً من الحياة أحادية الأبعاد .. بلا تفاصيل .. بلاحدود .. بلا روح .. فقط خيالات مبهمة تختلط بذكريات مُشفرة .. وهنا تختلف رؤى كل منا و إن إتحدت الرؤية .. و تتباين المسافات الخيالية بين المشاهديين و إن تلاصقت مقاعدهم .. و نتبادل مشاعر المختلفة مع أبطال العرض المتنوعة .. كلٌ علي قدر تلامس شقرة ذكرياته مع تحركات البقع السوداء أمامه .. و هنا تظهر الحبكة النفسية التفاعلية بين ثنايا العرض .. فالجميع يتفاعل مع أبطال العرض سلباً و إيجاباً .. بالرغم من معرفةُ المسبقة بإنها مجرد خيالات ظلامية يحرقها الضوء البريء .. و تختلف الرؤى و تتباعد إلي أقصي اليمين أو اليسار .. إلا أن الجميع يتفقون علي تجاهل الشيء الحقيقي الوحيد .. محرك هذه الخيالات .. و لن تجد من بين الجالسين من كلف نفسه أثناء العرض عناء التعرف علي هذا الفنان القابع خلف الستار .. و هل هو رجل أم إمرأة .. أبيض أم أصفر .. طويل أم قصير ؟؟؟!!! .. تدفعك خيالاتك و ذكرياتك لطمس الحقائق و إنكارها .. و بين هذا و ذاك يبدد الضوء الباهر هلاوسك و أمانيك و ترى الحقيقة التي هربت منها منذ قليل .. و تتناقل الإبتسامات و الهمسات بين المقاعد و الشفاة .. بينما يتلاصق الحالمين بمقاعدهم محاولين إستكمال الأحلام و إستعادة الذكريات .. رغم إنتهاء العرض و تلاشي المعروض .. فهم يعشقون كل غامض ومخيف و خارق .. يهربون به من مرارة واقعهم الأليم .. أما وراء الكواليس فعالم أخر من المحترفين
كخلايا النمل
نظام وعمل دائمين
ملحوظة : إحترس من النشالين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق