الجمعة، 23 ديسمبر 2011

المثقف العربي وتبديل الممدوحين ... مجلة الغاوون

لم يكن المثقف العربي عارياً ومكشوفاً كما هو اليوم.
ولم تزد مدائحه للثورات هذا العُري إلا عُرياً، حيث أثبتت هذه المدائح السطحية ذيليّته واتّباعه لمجرى الحدث عوض أن يكون أحد صانعيه.
سيُقال إن في هذا الكلام ظلماً والكثير من التحامل على مثقف لم تترك له الدكتاتورية أيّ هامش كي يمارس دوره عبره.
طيّب. فلنشرع إذاً في معاينة دوره في البلدان التي سقطت فيها الدكتاتوريات أو شارفت على السقوط. ماذا سنجد؟
المدائح لهذا الشعب العظيم، الاعتزاز بالانتماء إلى هذا الشعب العظيم، الانحناء إجلالاً لهذا الشعب العظيم...
إلى آخر هذه المدحيات التافهة التي كان يكيلها هذا المثقف نفسه بالأمس للدكتاتور نفسه.
فإذاً، المشكلة باقية في فهم المثقف لدوره كبوق، كفرَّاش، كماسح أحذية...
وليس مهماً إذا ما كانت تلك الأحذية التي يمسحها من ماركة فاخرة يُحبِّذها الدكتاتور أو من ماركة أم إصبع التي ينتعلها شباب الثورات الفقراء.
لقد عاث المثقف العربي القديم فساداً في معنى المثقف ودوره، حتى بات المرء يخلط بين المثقف والموظف،
بين صاحب الكلمة وصاحب الختم، بين الإصبع التي تُشير وتتهم والإصبع التي تُوضع في الشَّرْج.
واليوم، بعد عقود من الغرام بالدكتاتور، فجأة اكتشف هذا المثقف حب الثورة، ومن أول نظرة.
وراح يُزايد في هذا الحب حتى على الأصوات التي امتلكت شجاعة مقارعة الدكتاتور قبل الثورة بسنوات.
بل وبات هذا المثقف الانتهازي يرفض أي انتقاد عقلاني هدفه التنبيه إلى خطورة الانحراف الذي ينفَّذه الإسلاميون الغربان بسيرورة الثورة.
يتعامل أمثال هذا المثقف مع كل حدث على أنه سلطة، على أنه دكتاتور آخر لا بدّ من مسايرته ونفاقه.
يتعامل بمنطق تقديم الولاء للحاكم الجديد، أي حاكم جديد.
يتعامل بعقلية المنشار الذي يأكل في الذهاب في الإياب.
لذلك لا عجب أن الذين كانوا مسؤولي منابر ومؤسسات في عهد الدكتاتور ظلّوا مسؤولي منابر ومؤسسات في عهد الثورة بعدما غيّروا جلودهم.
اليوم، يبدو المثقفون العرب إزاء الثورة تماماً كما كانوا بالأمس إزاء الدكتاتورية:
حلقات دبكة ورقص ونفاق... ومدائح لملايين الأفراد بعدما كانت لفرد واحد.
لكن الأمل كبير بجيل المثقفين الشباب الذين لم يتلوَّث جزء كبير منهم بمدح الدكتاتور ولم يتورّط في مؤسساته.
الأمل كبير في أن يكونوا صوتهم الصافي والشجاع،
في أن يكونوا دورَهم المشرِّف والنقدي والطليعي الذي لا يخشى لومة لائم في موقفه...
وليذهب مدَّاحو الشعب العظيم إلى الجحيم.
موقف الغاوون: إفتتاحية مجلة الغاوون الثقافية
العدد 45 - كانون الأول 2011
تعقيب بسيط :لم يستخدم كاتب المقال قلماً بل إستخدم مشرطاً حاداً لتشريح عقلية المثقف العربي المتنطع.. برتوكول الإنحناء .. سلامة الياس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أقرأ

الفاجر و العاجز بقلم سلامه الياس

اذا منعتك قسوه قلبك عن طلب الرحمه للاموات   فدعهم للرحمن الرحيم                                                                            ...